Cedar Centre For Legal Studies
26 حزيران 2025
بيروت – لبنان
في مناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي يصادف يوم 26 حزيران من كل عام، نظم مركز سيدار للدراسات القانونية طاولة مستديرة حاشدة، بحضور ممثلين عن مؤسسات حقوقية وقضائية وأكاديمية، ونقابات مهنية، وعدد من النواب، إلى جانب وفود من منظمات دولية ووكالات أممية، للتأكيد على التزام لبنان بمناهضة التعذيب وتحقيق العدالة للضحايا.
وشهدت الفعالية مشاركة عدد من الشخصيات البارزة، منهم:
القاضي فادي العريضي ممثلًا عن رئيس مجلس القضاء الأعلى، النائب السابق مصباح الأحدب، النقيب السابق في نقابة المحامين في طرابلس محمد مراد، والنائب إيلي خوري، إلى جانب حضور قانونيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وناجين من التعذيب.
مركز تأهيلي لضحايا التعذيب في طرابلس
افتُتحت الطاولة المستديرة بكلمة ترحيبية ألقتها المحامية في مركز سيدار للدراسات القانونية سماح عيسى، شددت فيها على أن المناسبة ليست مجرد حدث رمزي، بل محطة حقوقية وإنسانية تهدف لإعادة التأكيد على الالتزام الأخلاقي والقانوني بمساندة ضحايا التعذيب.
وتخللت الكلمة الإشارة إلى إنجاز نوعي لسيدار تمثل بافتتاح مركز إعادة تأهيل ضحايا التعذيب في طرابلس في كانون الأول 2024. وهو مركز متخصص يقدم خدمات طبية، نفسية، اجتماعية وقانونية مجانية وبسرية تامة، لمرافقة الناجين من التعذيب في رحلتهم نحو الشفاء والعدالة.
أميرة سكر: لا عدالة لقاصر دون حماية حقيقية
في مداخلة مؤثرة، عرضت الأستاذة أميرة سكر، رئيسة اتحاد حماية الأحداث في لبنان، حالة قاصر يعاني من صعوبات عقلية انتُزع منه اعتراف بجريمة لم يرتكبها.
وانتقدت غياب المعايير التربوية والحقوقية خلال التحقيقات مع القاصرين، مطالبة بتوفير مرافق مختص خلال الاستجواب، وإنشاء ضابطة عدلية خاصة بالأحداث، وفصل مساراتهم القضائية عن البالغين.
عرض توعوي – ما هو التعذيب؟
تخلل الطاولة المستديرة عُرض فيديو توعوي متحرك حول تعريف التعذيب،أنواعه، أساليبه، وآثاره النفسية والجسدية، مسلطًا الضوء على ما يعيشه الضحايا بعد نجاتهم من هذه الممارسات اللاإنسانية.
محمد صبلوح: القضاء لا يحرّك ساكنًا… ونحن نلجأ إلى العالم
في مداخلته، قدّم الأستاذ محمد صبلوح، مدير القسم القانوني في مركز سيدار، عرضًا تفصيليًا لحالات تعذيب موثقة، مستشهدًا بقضية لموقوف تم إخفاؤه قسريًا لمدة 15 يومًا، دون السماح لأهله أو لمحاميه برؤيته، وحرمانه من التوكيل والزيارة والتواصل.
وأشار إلى أن تحريك الملف لم يتم إلا بعد الضغط الإعلامي، حيث كشف تقرير الطبيب الشرعي عن فقدان سمع، وشك بكسر في أصابع اليد، وصعوبة في الحركة، لكن الجهات القضائية لم تتحرك بشكل تلقائي، مما يعكس غياب إرادة حقيقية في ملاحقة الجناة.
وأكد صبلوح أن الإعلام أصبح الوسيلة الأساسية للضغط في ظل تقاعس القضاء، وأضاف: “نحن نلجأ إلى الأمم المتحدة، لأن القضاء في لبنان لا يُنصف الضحايا، رغم وجود قانون لتجريم التعذيب منذ عام 2017”.
وفي الجزء التخصصي من مداخلته، قدّم عرضًا تفصيليًا حول بروتوكول إسطنبول، موضحًا أنه يُعدُّ الدليل الأساسي المعتمد دوليًا لتوثيق التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وقد شرح أن البروتوكول يتناول بشكل منهجي كيفية جمع الأدلة الطبية والنفسية والاجتماعية لتوثيق حالات التعذيب، وبيّن الفرق بين الآثار النفسية (كالصدمة، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة) والآثار الجسدية كالكسور، فقدان الحواس، الكدمات، إلخ
وأكد على ضرورة تدريب القضاة، الأطباء الشرعيين، المحامين، وأعضاء لجنة الوقاية من التعذيب على استخدام هذا البروتوكول، لأنه يشكّل أداة حاسمة في إثبات حصول التعذيب أمام القضاء المحلي والدولي.
وعن التحديات، لفت صبلوح إلى أن قلة الخبرة، ضعف الإرادة السياسية، وتقصير المؤسسات الرسمية في اعتماد البروتوكول، كلها تمثل عقبات كبيرة أمام تطبيقه الفعلي في لبنان. وأوصى بضرورة إدراجه في مناهج التدريب الرسمية، واعتماده مرجعية موحدة في التحقيقات والمحاكمات، مطالبًا بتعاون جدي بين السلطات والمؤسسات الحقوقية لتفعيله وإنهاء الإفلات من العقاب.
واختتم بالقول: “المنظمات لا تسعى لتشويه صورة لبنان، بل لإصلاحه وإنقاذ ضحاياه من تكرار الألم والانتهاك”.
فيديو الذكاء الاصطناعي: توثيق لقضية بشار عبد السعود
من جهة أخرى، عُرض فيديو مؤثر حضّرته منصة “أنا هون” الإعلامية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يجسد قصة الشاب السوري بشار عبد السعود الذي توفي تحت التعذيب بعد توقيفه من قبل جهاز أمني لبناني. روى الفيديو مشاهد من معاناته، من فراره من الحرب في سوريا إلى اعتقاله من متجره في لبنان، ووفاته بعد ساعات قليلة من التوقيف. وأشار الفيديو إلى أن النيابة العامة أحالت الملف إلى القضاء العسكري رغم المطالبات بإحالته إلى قاضي تحقيق عدلي، ما أثار استهجانًا حقوقيًا واسعًا.
نور الحسن: التعذيب يدمّر النفس قبل الجسد
في مداخلتها، تناولت الأخصائية النفسية نور الحسن في مركز سيدار للدراسات القانونية الآثار النفسية للتعذيب، مستندة إلى “بروتوكول إسطنبول”، وشرحت أساليب التعذيب غير المرئية مثل “التعذيب الأبيض”، التهديد، العنف الجنسي، والتلاعب النفسي. وشرحت كيف تؤدي هذه الأساليب إلى اضطرابات خطيرة فيما بعد تشمل الذهان، اضطراب ما بعد الصدمة، الاكتئاب، ونوبات الهلع، مشددة على أن “الضرر النفسي قد يستمر مدى الحياة إن لم يرافقه دعم متكامل”.
شهادة حية: معاذ مرعب يروي الألم
شارك الناجي اللبناني معاذ مرعب بشهادته الصادمة عن سنوات التعذيب التي قضاها في السجون السورية، متنقلاً بين فروع أمنية متعددة مثل سجن صيدنايا وفرع فلسطين. تحدث عن أساليب التعذيب التي تعرض لها طيلة 19 عاما من الأسر والتهذيب والترهيب، مثل “الدولاب” و”الشبح” والتحقيقات العارية، قائلاً: “كان الهدف تدمير الإنسان من الداخل، لا مجرد انتزاع معلومات”.
أكد أن معاناته لم تنتهِ بخروجه من السجن، بل بدأت رحلة جديدة من إعادة التأهيل ومحاولة استعادة التوازن النفسي والجسدي. وفي هذا السياق، تدخل مركز سيدار للدراسات القانونية مباشرةً لمرافقته نفسيًا واجتماعيًا وطبيًا، حيث خضع معاذ لجلسات دعم نفسي وعلاج طبي متخصص، إلى جانب متابعة ملفه القانوني بشكل مستمر من قبل الفريق الحقوقي في المركز، لضمان إنصافه ومواصلة توثيق قضيته كجزء من مسار العدالة والمساءلة.
وختم مرعب بشكره العميق للمركز، مؤكدًا أن وجود منظمات حقوقية جدية مثل سيدار هو أمل الناجين في استعادة كرامتهم وتحويل ألمهم إلى قوة تغيير.
المداخلات والتوصيات: نحو عدالة حقيقية
شهدت الفعالية مداخلات من محامين، حقوقيين، نواب وقضاة ركّزت على:
توصيات مباشرة للإصلاح
في ختام اللقاء، قدّم سعد الدين شاتيلا، المدير التنفيذي لمركز سيدار، كلمة تضمّنت توصيات عملية واردة في بيان مشترك لعدد من المنظمات المحلية والدولية، كان مركز سيدار قد بادر إلى صياغته، وجاء فيها: