Cedar Centre For Legal Studies
في 6 أيار 2025، أصدرت نقابة المحامين في طرابلس تعميماً يحظر على المحامين إجراء أي ظهور إعلامي أو الإدلاء بتصريحات عامة دون الحصول على إذن مسبق من نقيب المحامين، محذراً من ممارسة أي انتقاد علني للقضاء أو الأجهزة الأمنية، مهدداً بعواقب تأديبية في حال المخالفة.
تناول هذه الدراسة القانونية تداعيات هذا التعميم، مع التركيز على تعارضه المحتمل مع الضمانات الدستورية و الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان والمبادئ التي تحمي استقلال مهنة المحاماة.
في 8 أيار 2025، قدم مركز سيدار للدراسات القانونية نداءً عاجلاً إلى المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة، المقرر الخاص بشأن استقلال القضاة والمحاماة، والمقرر الخاص بشأن حرية التعبير. وقد طالب المركز بالتدخل للتصدي لهذا التعميم الذي سيؤدي إلى التأثير سلباً على قدرة المحامين على التعبير بحرية حول قضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون. وأكد نداء المركز على ضرورة سحب التعميم بشكل فوري، ودعا إلى دعم دولي لحثّ نقابة المحامين في طرابلس عن الرجوع عن هذا التعميم.
ينص التعميم على ما يلي:
” نُذكر الزميلات والزملاء بوجوب التقيد بآداب مهنة المحاماة، لا سيَّما لجهة عدم الظهور الإعلامي بشتّى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قبل الاستحصال على إذن من نقيب المحامين سنداً للمادة 39 من نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين، كما نذكر بوجوب احترام القضاء والضابطة العدلية وعدم التعرض لهما بشتّى الوسائل، وذلك تحت طائلة تحمّل المسؤولية النقابية والمسلكية..”
العواقب المترتبة على خرق هذا التعميم خطيرة. إذ يمكن إحالة المحامي المخالف إلى المجلس التأديبي التابع لنقابة المحامين. وفي الحالات الشديدة، قد تؤدي العقوبة إلى تعليق عضويته أو حتى سحب حصانته المهنية وحقه في مزاولة المهنة.
وقد جاء هذا الإجراء في وقت اكتسب فيه بعض المحامين اهتماماً عاماً بسبب عملهم في مجال توثيق الانتهاكات والتعذيب المرتكبة من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية. وقد أثار توقيت ومضمون التعميم مخاوف من كونه محاولة مباشرة لإسكات الأصوات الناقدة داخل الجسم القانوني.
ويبدو أن التعميم يستهدف بشكل خاص عمل المحاميين المدافعين عن حقوق الإنسان محمد صبلوح وخالد و. الصباغ. أ. صبلوح ناشط في توثيق والانخراط العلني في الحديث عن حالات تعذيب ارتكبتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، بما في ذلك مقابلات إعلامية أجراها مؤخرًا كشف فيها عن هذه الانتهاكات. أما أ. الصباغ، فهو محامٍ ومدافع عن حقوق الإنسان، ويقدم بودكاست على المنصة الإعلامية “أنا هون” حيث يناقش فيها قضايا حقوقية وقانونية. يتمتع كلاهما بحضور علني بارز، وغالبًا ما يتناول عملهما مسائل تمس مؤسسات نافذة، مما يجعلهما أهدافًا محتملة للتعميم المذكور.
تنص المادة 13 من الدستور اللبناني على أن حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة، وحرية الطباعة، وحرية الاجتماع، وحرية تأسيس الجمعيات مكفولة ضمن دائرة القانون. يبدو أن التعميم يفرض قيودًا استباقية على الظهور الإعلامي، وهو ما قد يتجاوز الحدود التي يجيزها القانون اللبناني.
علاوة على ذلك، فإن نظام آداب مهنة المحاماة اللبناني ينص على معايير مهنية، دون أن يفرض حظرًا شاملاً أو غامضًا. صيغة التعميم العامة وعقوباته المحتملة قد تفتح المجال لتطبيق تعسفي لا يفي بمعايير الشرعية والضرورة والتناسب.
لبنان دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن حرية التعبير في المادة 19 وحقوق المحاكمة العادلة في المادة 14. يجب أن تستوفي أي قيود شروط الشرعية والهدف المشروع والضرورة والتناسب. يُنظر إلى القيود الشاملة أو الأنظمة التي تفرض الإذن المسبق للتواصل مع الإعلام على أنها غير متوافقة عمومًا مع هذه المعايير.
كما تنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحامين على ما يلي:
يتعارض تعميم نقابة طرابلس مع هذه المبادئ عبر فرض رقابة مسبقة وتهديد بملاحقة تأديبية على النشاط العام المتعلق بالقانون أو حقوق الإنسان.
يشكل هذا التعميم سابقة خطيرة من شأنها تقويض استقلالية مهنة المحاماة. فهو يضعف من دور المحامين كمراقبين ومدافعين عن سيادة القانون، ويثنيهم عن التحدث في قضايا الشأن العام، بما في ذلك محاسبة مرتكبي التعذيب والانتهاكات.
كما أن احتمالية استخدام الإجراءات التأديبية كأداة انتقام، ولا سيما في ظل تقارير عن ضغوط سياسية من قبل الأجهزة الأمنية لفرض التعميم، تعزز من تأثير الردع. وقد يكون ذلك بمثابة إنذار لباقي نقابات المحامين أو منظمات المجتمع المدني المتجهة نحو تبني مواقف مماثلة.