Cedar Centre For Legal Studies
لقراءة التقرير كاملاً باللغة العربية
الملخص التنفيذي
ليس لدى لبنان قانوناً وطنياً للاجئين ولم يوقّع على اتفاقية اللاجئين عام 1951 أو ملحقها، بروتوكول العام 1967. وقد أدّى فشل الحكومة في تطوير نهج متماسك وواقعيّ للجوء والهجرة إلى تأثير مزعزع للاستقرار بشكل خاص. فالعوائق البيروقراطية ونقص الحماية القانونية، إلى جانب الخطاب المُعادي للأجانب، كلها تهدّد بإثارة العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، مما يزيد من ضعف اللاجئين في لبنان.
منذ تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان، إلى جانب أزمة اللاجئين السوريين، ازدادت ظاهرة الهروب غير القانوني عبر القوارب، وفي عام 2020، وقعت مأساة كبيرة أودت بحياة العشرات من اللاجئين بعد غرق قارب قرب طرابلس. ومع ذلك، لا تزال العديد من العائلات ترى في هذه التجربة الخطرة خياراً قابلاً للتطبيق هرباً من البؤس والعنصرية في لبنان. وقد تأثرت في آلية الهروب هذه عبر القوارب أسرٌ بأكملها من الآباء والأطفال.
لجأ السوريّون إلى لبنان بعد الحرب السورية بحثاً عن الاستقرار والأمان وحياة أفضل بعيداً عن الصراع المسلح والقمع. ولكن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ألمّت بلبنان منذ عام 2019، أدّت إلى قيام الحكومة اللبنانية بممارسة التمييز ضد جميع اللاجئين، متهمة إياهم بأنهم سبب تدهور الوضع في البلاد. ونتيجة لذلك، أصبح سوق العمل اللبناني مغلقاً بشكل متزايد أمام السوريين، مصحوباً بانتهاكات الحكومة اللبنانية للقانون وتطبيقها لسياسات غير قانونية ضدهم مما يؤجج العنصرية وخطاب الكراهية. وقد وُصم السوريون بقوالب نمطية وغالباً ما تم ربطهم بالجرائم التي حصلت في البلد. إن خطاب الكراهية تجاه اللاجئين السوريين ليس حديثاً؛ فقد بدأ في عام 2016 مع جبران باسيل بحيث اتخذ أشكالاً متعددة. ويمكن رؤية هذا الخطاب أيضاً في إجراءات بعض البلديات اللبنانية التي فرضت حظر التجوّل على السوريين.
يواجه الأطفال السوريون في لبنان ثلاث تحديات رئيسية، وهي عدم قدرة نسبة كبيرة منهم على تلقي التعليم، وكذلك اندماج العديد منهم في سوق العمل في سن مبكرة. تُظهر البيانات الحالية أنه اعتباراً من أيلول/سبتمبر 2023، يستضيف لبنان حوالي 470,000 طفل وشاب سوري في سن المدرسة، تتراوح أعمارهم بين 3-23 سنة، بناءً على سجلات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويبقى التحدي الأخير والعاجل هو التسجيل والتوثيق المدنيّ.
كل عام، وقبل بدء العام الدراسي، يعاني الأطفال السوريون من قيود تمييزية تؤدي إلى حرمان عشرات الآلاف من هؤلاء الأطفال من حقهم في التعليم بسبب القيود التي تفرضها السلطات المحلية والسياسيون في لبنان. في 8 تموز/يوليو، كتب سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، على وسائل التواصل الاجتماعي أن وزارة التربية والتعليم يجب أن تطلب من جميع الطلاب تقديم أوراق الهوية للتسجيل في المدارس العامة والخاصة للسنة الدراسية 2024-2025. وأكد على أن الطلاب الأجانب، السوريين ضمنياً، يجب أن يكون لديهم تصاريح إقامة صالحة ليتمكنوا من الالتحاق بالمدارس. وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس 2024، قامت بلديتان لبنانيتان على الأقل، سنّ الفيل والقاع، بإصدار بيانات تطلب من الأطفال السوريين الحصول على إقامة لبنانية للتسجيل في المدرسة. لكن بسبب العقبات البيروقراطية والمعايير الصارمة المفروضة على تجديد تصاريح الإقامة، لا يمتلك سوى 20% من اللاجئين السوريين إقامة صالحة (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، برنامج الأغذية العالمي، اليونيسف، IACL، 2023).
خلال العامين الماضيين، قدّم صانعو القرار اللبنانيون مقترحات واستراتيجيات متعددة لإدارة السوريين في لبنان. وقد أصدر مجلس الوزراء قرارات تتعلق باللاجئين القادمين من سوريا بموجب القرار الرقم 1، بتاريخ 11 أيلول/سبتمبر 2023.
بسبب هذه الأزمات وأزمة اللاجئين، أصبح لبنان مصدراً للهجرة غير النظامية لمواطنيه وللمقيمين فيه واللاجئين، لبنانيين وغير لبنانيين، ونقطة عبور رئيسية للمهاجرين وطالبي اللجوء من لبنان وسوريا المتوجهين إلى أوروبا. وقد تفاقمت تحديات اللجوء والهجرة في لبنان نتيجة فشل السلطات في تطوير استراتيجية شاملة لإدارة البلاد. أدى ذلك إلى تغذية اقتصاد الهجرة بين فتح سوق الهجرة والتنافس بين المهربين من جهة، وتأمين الهجرة من قبل الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. ويجد المهاجرون واللاجئون أنفسهم عالقون في شبكة معقدة من التحديات. لقد تحوّل لبنان إلى دولة عبور للمهاجرين إلى أوروبا نتيجة عدة تطورات مهمة مثل الحروب والانهيار الاقتصادي والسياسات المتقلبة، والعنف المنتشر، والمواقف المعادية للأجانب. كما أدى تزايد أعداد المهاجرين إلى خلق نظام بيئي للهجرة، مع تحول شمال البلاد مركزاً له.
تندرج هذه الدراسة ضمن إطار بيئة هشة، وتهدف إلى تسليط الضوء على ما يواجه اللاجئون السوريون في لبنان على المستويين الحكومي والسياسي وخروجهم من لبنان عبر الهجرة غير الشرعية. أولاً، بعد عرض السياق اللبناني، سيحاول هذا التقرير وصف الأنماط المختلفة للتمييز القانوني وغير القانوني والانتهاكات التي يواجهها السوريون في لبنان. ثانياً، سيُظهر التقرير كيف يؤدي التهميش وانتهاك القوانين وسياسات التمييز مباشرة إلى “منطق الخروج” الخطر، وهو الهجرة غير الشرعية. تمّ صياغة أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان في سياق النزوح الجماعي للسوريين بعد عام 2011. وتُعتبر الهجرة واحدة من “أكثر التحديات إلحاحاً”، وتؤكد الوثيقة على السياسة المشتركة للطرفين لحث “العودة الآمنة [للسوريين] إلى بلدهم الأصلي”، مع الأخذ في الاعتبار “الحاجة إلى تهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين بأمان […] واتّـباع كافة قواعد القانون الإنساني الدولي مع مراعاة مصالح البلدان المضيفة” (الجمهورية اللبنانية، 2016، ص. 4). وتشير الأولويات أيضاً إلى “أن دعم اللاجئين السوريين لا يمكن أن يتم خارج إطار دعم الاقتصاد الوطني اللبناني والاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية”، مما يجعل المساعدة التنموية وسيلة أساسية (المصدر نفسه). ويبين بيان المفوضية الأوروبية حول استراتيجية الأولويات بوضوح أنه مقابل المساعدات يجب على الحكومة اللبنانية “بذل الجهود في مجال الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للاجئين السوريين لتحسين ظروفهم المعيشية واستراتيجيات الإقامة القانونية” (المفوضية الأوروبية، 2016 ب، ص. 13–14).
تغيرت طبيعة العلاقة السياسية في مجال الهجرة مع نشوب الصراع السوري في عام 2011 وزيادة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر الطرق البحرية والبرية التي بلغت ذروتها في عام 2015. وقد تسارعت هذه التحولات بسبب عدم القدرة على إدارة تدفقات الهجرة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أدى ذلك إلى اتباع الاتحاد الأوروبي لـ “قرارات غير رسمية ومحلية وبراغماتية” بدلاً من “التعاون الرسمي والملزم قانونياً”، وهو مسار تم اختياره بسبب مقاومة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولضمان استمرار التعاون بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه الجنوبيين (سيبرغ وزاردو، 2020، ص. 2).
أخيراً، ستظهر هذه الدراسة أن تحقيق بعض الخطوات الملموسة لتحسين الأوضاع الاجتماعية للسوريين يتطلب التزاماً من جميع الأطراف، مثل المجتمع الدولي، والمنظمات غير الحكومية، والحكومة اللبنانية. ويخلص التقرير إلى توصيات لمكافحة إساءة معاملة اللاجئين السوريين في لبنان ونمو خطاب الكراهية من جهة، ومن جهة أخرى، إمكانية الحد بفعالية من الهجرة غير الشرعية من خلال تدابير الحماية واستراتيجية جديدة أوروبية لبنانية تركز على الهجرة الدائرية والاستثمارات والتعاون الابداعي.
هذا تقرير بحثي عملي يعتمد على منهجية الكمية والنوعية باستخدام أدوات مراجعة الأدبيات العلمية والرمادية، بما في ذلك الوثائق الحكومية والتقارير الحكومية وغير الحكومية. وقد استند العمل الميداني واختيار الحالات وتحليل آثار سياسة الهجرة على تدخل مركز سيدار للدراسات القانونية في هذا المجال عبر مراقبة الانتهاكات والقوارب غير القانونية وتقديم المساعدة القانونية للمهاجرين.