Cedar Centre For Legal Studies
25/06/2023
تم نشر مقال الرأي الأصلي على موقع العربي الجديد
يُصادف غدا اليوم الدولي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، 26 يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي دخلت فيه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، وهي إحدى الأدوات الرئيسية في مكافحة التعذيب، حيز النفاذ في عام 1987. وصادقت 162 دولة عليها، من بينها لبنان في عام 2000.
التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي. وهو محظورٌ تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في أية ظروف. وهو حظرٌ يشكل جزءاً من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، من دون اعتبارٍ لما إذا كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب صراحة، أو لم تُصادق عليها. وتشكّل ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق جريمة ضد الإنسانية.
على الرغم من صدور القانون رقم 65 ونشره في الجريدة الرسمية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2017، والذي يعنى “بمعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية او اللاإنسانية أو المهينة”، إلا أنّ القانون ما زال بمعظمه حبراً على ورق. وفي أبرز قضية العام الماضي، توفي اللاجئ السوري بشّار عبد السعود في 31 أغسطس/آب 2022 في أثناء احتجازه، بعد يوم على اعتقاله من عناصر جهاز أمن الدولة اللبناني. لاحقاً، تداولت منصّات التواصل الاجتماعي صور جسده الذي تعرّض للتعذيب الشديد، حيث ظهرت على جسده علامات تعذيبٍ شديدة.
في 2 سبتمبر/أيلول 2022، أمر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في بيروت بتوقيف ضابط وأربعة عناصر في جهاز أمن الدولة في فرع تبنين، ثم أحالهم إلى قاضي التحقيق العسكري. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أصدر قاضي التحقيق العسكري لائحة اتهامية، حيث أكّدت النتائج الأولية لتقرير الطب الشرعي، وأشارت إلى، أعمال التعذيب التي تعرّض لها السعود. ولكنها، في المقابل، أكّدت على اختصاص المحكمة العسكرية، خلافاً لما نص عليه قانون معاقبة التعذيب، وقرّرت إحالة المتهمين أمام المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت. وفي 5 إبريل/نيسان 2023، أفرج عن جميع المتهمين، باستثناء عنصر عسكري برتبة معاون. وستكون الجلسة المقبلة للمحاكمة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وشهدت الأشهر الماضية عمليات ترحيلٍ غير قانونية إلى سورية لمئات من اللاجئين السوريين من لبنان، وشكّل ذلك انتهاكاً للمادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ومبدأ عدم الإعادة القسرية الذي ينص في القانون الدولي العرفي على عدم إعادة الأشخاص إلى أماكن قد يتعرّضون فيها للاضطهاد أو التعذيب. وعلى سبيل المثال، في 10 إبريل/نيسان 2023، اعتقلت المخابرات اللبنانية 29 سورياً في حي حارة صخر في جونيه، بينهم عدي إبراهيم الذي يعاني من نوبات صرع منذ طفولته. وجرى تسليمهم إلى فوج الحدود البرّية للجيش اللبناني، عند نقطة التفتيش اللبنانية في المصنع في عنجر في لبنان، بغية تسليمهم إلى سورية. وأفيدت المعلومات لاحقاً بأنّه، بعد ترحيله من لبنان، جرى اعتقاله في مراكز اعتقال أمنية في دمشق، حيث تعرّض لسوء معاملة وتعذيب. في 27 مايو/ أيار 2023، مثُل عدي أمام القاضي العسكري المنفرد في تدمر الذي أمر بالإفراج عنه بشرط التحاقه بالخدمة العسكرية.
ويُذكر أن لجنة مناهضة التعذيب، الأممية، في مايو/ أيار 2017، أصدرت توصياتٍ للبنان، وذلك بعد المراجعة التي أجريت آنذاك أمام المحفل الأممي. ويشكّل تنفيذ هذه التوصيات خطة وطنية للقضاء على التعذيب، أيرزها أن تضمن السلطات اللبنانية تمتّع جميع المحتجزين، قانونياً وممارسةً، بجميع الضمانات القانونية الأساسية منذ اللحظة الأولى لاحتجازهم، بما في ذلك الحقّ في الاتصال بمحامٍ بسرّية، لا سيما في أثناء التحقيق والاستجواب، والحصول على مساعدة مترجم شفوي إذا لزم الأمر، والمثول أمام قاضٍ خلال المدة المنصوص عليها في القانون، والتماس فحص طبي مستقلّ والحصول عليه. كما أنّها أوصت باعتماد إجراء موحّد يتمثل في تسجيل جميع الاستجوابات وتصويرها بالفيديو، والاحتفاظ بهذه التسجيلات في مرافق آمنة، وإتاحتها للمحققين والمحتجزين والمحامين. بالإضافة إلى النظر في اعتماد نظام شامل للمساعدة القانونية الجنائية، يكون مجانياً لمن تعوزهم الموارد اللازمة لسداد تكلفة التمثيل القانوني.
وأوصت اللجنة الأممية بأن تتّخذ السلطات اللبنانية تدابير فعّالة لضمان اعتبار الاعترافات أو الإفادات التي تُنتزع بالإكراه غير مقبولة، من الناحيتين، القانونية والعملية، إلا إذا استخدم الإدلاء بهذه الأقوال دليلا ضد شخص متهم بممارسة التعذيب. وأوصت أن تتخذ السلطات المختصة إجراءاتٍ ضد القضاة الذين لا يستجيبون بصورة ملائمة للمزاعم التي تقدّم خلال الإجراءات القضائية عن حدوث أعمال تعذيب. وأخيراً، ينبغي أن تضمن السلطات اللبنانية أيضاً تدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون والقضاة والمحامين على كيفية الكشف عن الحالات التي يتم فيها انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، وعلى كيفية التحقيق فيها. وأوصت اللجنة الأممية بأنّه ينبغي للسلطات اللبنانية أن تحظر على المحاكم العسكرية، من دون مزيد من التأخير، ممارسة اختصاص إصدار أحكام في حق المدنيين، لا سيما الأطفال.
وعلى صعيد الجبر وإعادة التأهيل، أوصت اللجنة بأنه ينبغي أن تضمن السلطات اللبنانية جبر جميع ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك منحهم حقاً قابلاً للإنفاذ في تعويضٍ مُنصفٍ وكاف، وتوفير الوسائل اللازمة لإعادة تأهيلهم تأهيلاً كاملاً قدر الإمكان. وفيما يخصّ اللاجئين، أوصت اللجنة بأنّه ينبغي أن تقوم السلطات اللبنانية بما يلي: ضمان عدم إمكانية طرد أي شخص أو إعادته قسراً أو تسليمه إلى دولة أخرى إذا وجدت أسبابٌ حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون عرضة بصورة شخصية ومتوقعة لخطر التعذيب. تعزيز الإطار القانوني المحلي عن طريق سَنّ قانون شامل بشأن اللجوء، يكون متسقاً مع المعايير الدولية ومع أحكام المادة 3 من الاتفاقية. كفالة وجود ضمانات إجرائية بعدم الإعادة القسرية، وإتاحة سبل انتصاف فعّالة فيما يتعلق بشكاوى الإعادة القسرية في إجراءات الطرد. النظر في التصديق على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، والبروتوكول الخاص بوضع اللاجئين، والاتفاقية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية، والاتفاقية المتعلقة بخفض حالات انعدام الجنسية.
وكان من المفترض أن يقدّم لبنان تقريره الدوري الثاني إلى لجنة مناهضة التعذيب بحلول 12 مايو/أيار 2021، إلا أنّه تأخّر عن تقديمه إلى غاية تاريخ كتابة هذا المقال. فضلاً عن أنّ لبنان لم يعترف بعدُ باختصاص لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في تلقّي البلاغات الواردة من الأفراد الخاضعين لولايتها القضائية والنظر فيها، وذلك سنداً للمادة 22 من الاتفاقية. وفي حال اعترف لبنان باختصاص اللجنة بهذه المادة، فذلك سيمكّن الأفراد من تقديم شكاوى مباشرة إلى هذه اللجنة، وذلك بعد استنفاد طرق المراجعة المحلية.
وأخيراً، يتطلب تنفيذ الخطة الوطنية أعلاه للقضاء على التعذيب، أولاً وأخيراً، إرادة وطنية جادّة للسير بهذه الخطة، ما يعني رفع الغطاء عن أي شخصٍ يرتكب أو يساهم أو يتستر على التعذيب، مهما علت مرتبته. ويتطلب أيضاً قضاءً شفّافا يحقق أولاً في ادعاءات التعذيب، ومن ثم يحاكم بشكل عادل جميع المتهمين بارتكاب التعذيب. وأخيراً، يتطلب محامين شجعان وأكفاء لتقديم دعاوى التعذيب، طبعاً مع تشجيع للضحايا وتأمين حماية لهم، وذلك خوفاً من تعرّضهم للتعذيب مرّة أخرى، خصوصا إذا كانوا محتَجزين.