"من صدمة الحرب إلى الحياة الجديدة: تجربة عائلة سورية مع مركز سيدار لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب"
كنا نعيش حياتنا في حمص بشكل طبيعي حتى جاء عام 2012، وبدأت الحرب تقتحم أيامنا”، تقول VTC35 وعيونها تحمل آثار القلق والخوف. النزوح الأول كان داخلياً، من حمص إلى الساحل، محاولة للهروب من الدمار والمجازر التي اجتاحت الحي بأكمله. “كنا نسمع أصوات الرصاص والانفجارات من بعيد، والأطفال كانوا خائفين جداً… ابنتي الصغيرة بدأت تتلعثم وتواجه صعوبة في الكلام بسبب كل ما شهدته”، تضيف VTC35 بصوت هادئ لكنه ممتلئ بالألم.
حاولت العائلة العودة إلى حمص، لكن الواقع كان أكثر صعوبة وخطورة. البيوت دُمّرت، ممتلكاتهم صودرت، والوضع الأمني هش، مع تهديدات مستمرة بسبب انتمائهم الطائفي. وفي أحد أسوأ أيامهم، تم خطف الوالد أثناء عودته إلى المنزل لأسباب تتعلق بالعمل. تقول VTC35: كنت خائفة جدًا، لا أعرف ماذا حدث له… الأطفال كانوا مرعوبين، شعرت أن كل حياتنا تتفكك”. بعد ساعات عصيبة من القلق والخوف، تم إطلاقه سراحه بعد انقسام للرأي بين الجماعات المُسلحة، ليبدأوا التفكير في الانتقال بعيداً عن الخطر.
الأحداث في الساحل السوري كانت تتفاقم، والعائلة اضطرت للهروب سريعاً الى منزل أهلهم. يقول VTC32: الوضع أصبح لا يطاق… كل يوم هناك قصف وفوضى وتهديدات. كنا نعيش وكأننا مشروع جثة في أي لحظة… لم نكن نعلم متى يمكن أن يصيبنا شيء. كان الخطر الأكبر عليّ وبالتالي على عائلتي. هربنا الى منزل أهلنا ولكن أيضاً لم نستطع البقاء كوني كنت مهدداً من قبل أطراف معينة”.
رحلة العائلة أخذتهم في النهاية إلى شمال لبنان، حيث بدأوا يشعرون بقدر قليل من الأمان، لكن تحديات جديدة كانت تنتظرهم هناك. خلال هذه المرحلة، عندما كانت العائلة على الحدود اللبنانية السورية، علموا عن مركز سيدار لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، فتواصلوا معه وبدأ فصل جديد من حياتهم في مكان آمن.
حين وصلوا إلى المركز في طرابلس، استضاف المركز العائلة كلها واستمع لهم بصبر واهتمام. تقول VTC35: شعرنا لأول مرة بأن هناك من يسمع قصتنا ويفهم معاناتنا”.
الخدمات التي تلقّتها العائلة
- الأطفال تلقوا جلسات علاج نفسي متخصصة واستشارات طبية. الطفلة الصغيرة حصلت على متابعة مكثفة حتى تمكنت تدريجياً من التخلص من مشاكل النطق التي أصابتها نتيجة الصدمة والحروب.
- جميع أفراد العائلة خضعوا لـ تحاليل وفحوصات طبية شاملة.
- الأب (VTC32) والأم (VTC35) حصلا على جلسات دعم نفسي واجتماعي أعادت لهما الثقة بالنفس، إضافةً إلى علاج طبي وفيزيائي ساعدهما على التعافي من الآثار الجسدية.
تقول VTC35 مبتسمة: “رأينا تحسناً كبيراً في حالتنا جميعاً، والأطفال بدأوا ينامون بسلام ويستعيدون طفولتهم، بينما نحن ككبار تلقينا الدعم النفسي والاجتماعي وعلاجاً طبياً وفيزيائياً أعاد لنا الثقة بالنفس”.
مراكز مثل سيدار هي أكثر من مجرد مكان لتلقي العلاج… إنها ملاذ للسلام والأمان، حيث يُسمع صوت الضحايا، وتُعالج الجروح النفسية والجسدية، وتُعاد لهم الكرامة. بدون هذه المراكز، الكثير من الناس قد يبقون ضائعين، والآثار النفسية للتعذيب قد تستمر مدى الحياة. نحن اليوم قادرون على الابتسام مرة أخرى بفضل سيدار، ونأمل أن يبقى مثل هذا الدعم متوفراً لكل من يحتاجه.”
يضيف: VTC32الآن نحن قادرون على التخطيط لمستقبلنا بثقة أكبر، والأطفال يعيشون في بيئة آمنة نوعا ما بعد كل ما شهدوه. وجود مراكز إعادة التأهيل مثل سيدار ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية. كل ضحية للتعذيب تحتاج إلى مكان آمن يسمعها، يساعدها، ويرشدها إلى بداية حياة جديدة. هذه المراكز تصنع فرقاً حقيقياً بين حياة مليئة بالخوف والألم، وحياة يمكن أن تُبنى من جديد على الأمل والأمان.”
العائلة بدأت تفكر في المستقبل بشكل مختلف. يقول VTC32 : لقد أدركنا أننا ربما لن نعود إلى وطننا أبداً… نحن نفكر الآن في بناء حياة جديدة هنا في لبنان، أو ربما في بلد آخر، عبر تقديم طلب توطين، لنضمن للأطفال حياة أكثر أماناً واستقراراً”.
في نهاية الحديث، جلست العائلة بهدوء وكأنها تستعيد أنفاسها للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. كانت كلمات VTC35 و VTC32 تتقاطع بين الألم الذي عاشوه والأمل الذي وجدوه من جديد. لم تعد الحكاية مجرد نزوح أو معاناة، بل أصبحت مثالاً على أن الجراح مهما كانت عميقة، يمكن أن تُشفى إذا وُجد من يسمع ويحتضن ويمنح مساحة للتعافي.
هذه العائلة السورية ليست حالة استثنائية، بل صورة عن مئات العائلات التي تحمل آثار الحرب والتعذيب في أجسادها وذاكرتها. لكن وجود مراكز مثل سيدار يجعل الفرق واضحاً: من حياة محاصرة بالخوف والقلق، إلى بداية جديدة مبنية على الأمان والكرامة.
قصتهم تختصر حقيقة واحدة، أن الأمل يولد من الرعاية، وأن الإصغاء يمكن أن يُعيد بناء إنسان بكامله. وما دام هناك من يفتح الأبواب لمثل هذه العائلات، ستظل الحياة قادرة على الانتصار على الحرب.